رفقاً بنهى - على الوطن


استيقظت نهى، الموظفة الحكومية ذات الأربعين عاما، على صوت منبهها الذي يرن قبل موعد استيقاظ المنزل بساعة كاملة.. استفاقت مسرعة كي تهم بتحضير وجبة الإفطار لأفراد منزلها المكون من زوجها نادر وابنائها الثلاثة.. حضّرت مسرعة الوجبة واتجهت توقظهم، وبعدما انتهوا من الإفطار قامت بمساعدة الجميع كي يتوجهوا للخارج.
ثم توجهت نهى مع أطفالها إلى المدرسة تستمع لشكوى المعلمة، حيث إن ابنها الأكبر "ولد شقي مابيسمعش الكلام"، حسب وصفها، فحاولت امتصاص غضبها ثم توجهت مسرعة إلى عملها.

في العمل تواجه نهى تمييزا من نوع خاص بالإضافة إلى المشاكل اليومية المعتادة لأي عمل في مصر، فهي الموظفة الأنثى الوحيدة بقسمها وقد كانت يوميا تسمع تعليقات سخيفة من زملائها الرافضين وجودها كأنثى وحيدة داخل قسمهم الرجالي، وعلى الرغم من أنها كفء وتحاول مرارا إثبات نفسها في عملها فإن محيطها لن يسمح لها بأكثر مما كانت عليه، وحاجتها للعمل لا تسمح لها بالمخاطرة في القطاع الخاص.
وكأي موظفة مصرية تنهي نهى يومها في العمل وتتوجه مسرعة للمدرسة لاصطحاب أبنائها إلى المنزل وهنا تبدأ مهمات جديدة، وهي مهمة السوق والمشتريات لتحضير الوجبات الأخرى باليوم ثم مهمة الطبخ والوقوف أمام البوتاجاز على الأقل ساعة يوميا والاستعداد لمجيء الزوج ثم مهمة المذاكرة للأولاد بالـ "مناهدة" اليومية المعتادة ثم مهمة الاطمئنان على والديها المسنين ثم الاطمئنان على أن كل من بالمنزل قد نام ثم تذهب للنوم أخيراً.
في المقابل أحداث يوم نادر تقتصر على الاستيقاظ في الصباح ليتناول فطوره المعد من زوجته نهى والذهاب للعمل بمشاكله المعتادة والرجوع لتناول الغداء والجلوس أمام التلفاز أو النزول لأصدقائه على المقهى أو محاولة إصلاح بعض الأعطال في المنزل أو الاطمئنان على والديه المسنين ثم الخلود للنوم.
لو أمعنا النظر في هذه القصة التقليدية المملة نجد أنها تبدو طبيعية ومألوفة على مسامعنا، فأغلب السيدات في محيطنا "نهى" وأغلب الرجال "نادر"، وعلى الرغم من اشتراك نهى ونادر في تكوين هذه الأسرة الصغيرة فإن مهام نهى مضاعفة وكأنها ولدت لتفعل كل هذه الأمور وأكثر، فنهي هي صورة من ملايين النساء العاديات في مجتمعنا اللاتي يحاربن بشكل يومي من أجل الحياة في مجتمع اقتصرت معاييره على أن تكون الفتاة فيه مجرد زوجة وأم ناجحة، غير مبالٍ بما تحلمه به وما تبتغيه من طموح.
وقد اعتاد مجتمعنا على أن تكون أمثال نهى بنفس الصورة النمطية المعتادة والأدوار المجتمعية المكررة المملة والتي تصل لحد اللوم إذا قصرت في إحدى هذه المهام ويصل هذا اللوم إلى الحد الذي يبرر فيه لنادر ظلمها وخيانتها..
هذه الأدوار الاجتماعية انحصرت فيها نهى وأمثالها، وكأنها صك أبدي ودائرة أزلية ستبقى فيها منذ ولادتها حتى مماتها وتتكرر في بناتها وحفيداتها.
سؤالي اليوم هو حتى متى ستظل نهى أسيرة تلك الأدوار حتى وإن كانت لا تقدر على القيام بها؟ أما آن الأوان للتفكر والتعقل وتربية نشء جديد مُنصف لكل نهى يقوم بمساعدتها في أدوارها؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علم الاصوات

الاسناد في العربية والعبرية

اسرة اللغات السامية.