مع يناير دائما، والقضايا الأخرى لاتهم
"نحن نحقق أهداف الثورة بأنفسنا، ننتزعها بأيدينا، الحرية والعدالة والكرامة تؤخذ ولا تعطى." - نوال السعداوي
من عدة ايام جمعني نقاش بصديقي اليساري حول الاقتصاد العالمي وأية النظريات الاقتصادية تصلح للتطبيق في هذا الواقع الذي يحوى هيمنة الشركات العابرة للقوميات وتحكمها في سياسات العديد من الدول مما ينعكس على الاقتصاد والسياسة للعالم الثالث. دار بيننا نقاشا محتدما ما بين الماركسية والشيوعية ونظرياتهما الغير صالحة للتطبيق ومرورا على الرأسمالية الكلاسيكية التي أدت لأزمة اقتصادية عالمية -من وجهة نظره- وصولا الى الاعتراف بضرورة التوجيه نحو اقتصاد يأخذ في اعتباره العدالة الاجتماعية.
انتهت تلك المناقشة وانا افكر في اسباب الانحياز الفكري الذي الاحظه عند العديد من ابناء جيلي المؤمنين بنظريات سياسية او اقتصادية معينة ويقومون بالتنظير من أجل اثبات صحة انحيازهم وكأنهم يرددون بعض العبارات "الكليشية" عن ظهر قلب والتي حفظوها من دوائر النقاشات المغلقة أو من ورش التأكيد على المبادئ التي يلتف حولها اصحاب النظرية الواحدة. والتي بدأت تظهر للسطح بعد ثورة يناير والصحوة التوعوية لدى الشباب وفتح المجال العام مؤقتا لبعض الوقت.
اتساءل الآن بعد مرور تسع سنوات على الثورة المصرية المجيدة، بعدما اتيحت الفرص للجميع في اعتناق ما يريد من مبادئ وأفكار وبعدما تم غلق المجال العام نهائيا واستحالة العمل على قضايا الشأن العام داخل مصر: هل ما يزال أغلبنا منحاز فكريا لذات القضايا التي انحزنا لها عقب الثورة؟ وفي صدد هذا السؤال جاوبني العديد من الاصدقاء والمعارف الثوريين انهم مازالوا منحازين لأفكار يناير ولكن التجربة ولدت لديهم نضجا كافيا من حيث تقدير جدوى المشاركة وتوقيتها والتوقع بنتائجها. اكاد اجزم ان ثورة يناير قد ولدت لدي جيلي العديد من الخبرات التي اكتسبناها من المشاركة في احداث الثورة وما تبعها من فعاليات واحداث، على الرغم من الاحباط الذي يلازم العديدين مننا الا ان النضج الناتج عن التجربة لا يضاهيه شيء.
هذا بالنسبة للانحياز الفكري للقضايا السياسية الكبرى لكنني إذا تطرقت للقضايا الاجتماعية المنسية او المتغاضى عنها لن أجد نفس الانحياز الفكري لابناء جيلي لتلك الموضوعات مثال قضايا الحريات والمساواة وعدم التمييز. الجميع يوافق على العناوين الكبرى لكن قليلون هم الذين يطبقون المبادئ ويحرصون على حقوق الغير. فالتأويل والتفسيرات الشخصية تخضع لكل فرد طبقا لأفكاره ومبادئه الشخصيه وبيئته وتربيته ومجتمعه ايضا يلعبون عاملا لا بأس به في تجزيئ وتشييء الحريات وقضايا المساواة وعدم التمييز. خير مثال على ذلك هو الموافقة على مشاركة المرأة سياسيا وتشجيعها والوقوف صفا بصف داخل الميدان لحين التنحي وقد سبق ووثقت تجربتي كفتاة مصرية ثورية في ميدان التحرير. لكن في نفس الوقت وجود حالات تحرش واغتصاب جماعي للعديد من الفتيات في الميدان في المليونيات المختلفة. وايضا ظهور مبدأ (إيه وداها هناك) الذي تبناه العديدين بعد واقعة الاعتداء على ست البنات. والحديث آنذاك أن حقوق المرأة والأقليات ليست أولوية لمصر بعد الثورة، وكأن الحقوق السياسية هي الشيء الوحيد المهم وباقي الحقوق لاتهم! وبعد ذلك اكتشاف ان العديد من الاشخاص الذين عرفوا في الميدان وفي المجتمع المدني قد تورطوا في حوادث تحرش واغتصاب. ناهيك عن الشللية والمراهقة الثورية و الانحيازات المجتمعية تجاه العديد من قضايا الاقليات. وكأن بعض المنادين بالحرية السياسية لا يطبقون ولا يؤمنون بقضايا المرأة وحقوق الأقليات.
لا اريد أن اخلط الاوراق ببعضها ولا ان اقول ان شباب يناير ازدواجي، اطلاقا. لكنني اود الاشارة الى اننا جميعا ولدنا من رحم مجتمع عنصري يميز بين افراده على اساس الجنس والدين واللون والهوية الجنسية، وقد يكون اغلبنا يمارس التمييز بدون وعي لمجرد كونه جزء من تلك المنتظومة الابوية. لكن واجب علينا كأفراد مؤمنين بالتغيير السياسي ان نؤمن ايضا بالتغيير المجتمعي. حقا اريد ان اعترف انني مع كل حادثة تمييزية يتورط بها احد المشاركين بيناير اشعر بالاسى العميق وبالحزن لأن يناير علمتنا أن نكون يدا واحدة لافرق بين احد موجود في الميدان. قيم يناير المجيدة التي اعتنقتها انا وجيلي لا تشجع على التمييز ولا عدم المساواة. لذا فندائي لكن من ولد من جديد في ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011، ارجوكم انحازوا للحقوق جميعا.
تعليقات
إرسال تعليق