رأي مختلف – (1) تقبل الآخر - على موقع المحطة



يواجه المجتمع المصري أزمة حقيقية في تقبل الآخر ولا اخفيكم سرا فالجميع يعرف هذا الامر جيدا دون تحريك ساكن اللهم الا من بعض القلة والتي غالبا ما ينالها من السباب واللعنة ما يفوق قدراتهم على الاحتمال ليأتي الوقت الذي ينزوي فيه بعضهم بعيدا ويتركوا "الجمل بما حمل" تاركين للآخرين حمل راية "المعافرة" في المجتمع وكأن قضية تقبل الآخر هي العبء الثقيل الذي لا يجد من يحمله رغم انهم كثيرون لكن القضية تحتاج ايدينا جميعا. هؤلاء الذين يعرفون أن لُب حقوق الإنسان هو الكرامة الإنسانية وتقبل الآخر أيا كان درجة اتفاقه او اختلافه معي ومن هذين الركيزتين تنشأ علاقة صحية بين الانسان واخيه الانسان في المجتمعات ومنها تطورت فكرة حقوق الإنسان عبر العصور حتى وصلت الى هذا المنحى في العصر الحديث.
وانطلاقا من ركيزة تقبل الآخر وأهميتها في إرساء حقوق الإنسان يجب أن نعرف ما هي مشكلتنا لكي نعمل على حلها جميعا.  فالازمة المتأصلة تحول بيننا وبين الانطلاق في الفضاء الرحب لحقوق الإنسان والتمتع بكافة مميزاته التي تنعكس على الفرد وعلى المجتمع على حد سواء. ففي مجتمعنا المصري تنحصر مشكلات تقبل الآخر في فئات ثلاث كبرى. هذه الفئات تنعكس على مستوى عدد كبير من الأفراد بالمجتمع كالتالي:
أولا : فئة الاقليات المقبولة مجتمعيا : وتشمل هذه الفئات الاقليات الدينية والاثنية والعرقية. فنجد انه طالما الفرد وسط الأغلبية الآمنة لايهمه اي اقلية ويتعامل معها كأنها عالة او زيادة على المجتمع السائد. اما اذا كان الفرد داخل احد هذه الاقليات فنشعر بحساسيته المفرطة تجاه اي تصرف من الجماعة الغالبة نتيجة عدم الاقتناع بتقبلهم له أو لجماعته. ونتيجة لهذا الرصيد من عدم التعايش المشترك على مستوى المجتمعات المحلية الصغيرة تنشأ صورة نمطية عامة بعدم التقبل لم ينجح في محوها الممارسات الإيجابية المنتشرة من قبل الجماعتين المذكورتين.
ثانيا: فئة الأقليات غير المقبولة اجتماعيا : وتشمل هذه الفئات الأقليات الثقافية والجنسية. هنا نجد المجتمع يتوحد ضدهم بنوع من الاتفاق على مستوى العقل الجمعي طالما ذلك ينافي الدين أو العرف أو العادات والتقاليد ويجتمع المجتمع كله في ضرورة التخلص منهم نهائيا دون رحمة لكي يقضي على الشر الكامن في وسطهم. وهذا النوع من الاقليات من الممكن ان نقول عنه انه الاسوأ حظا في مجتمعنا فكل محاولات التواصل اللاعنفي تفشل اللهم الا على مستوى ضيق من الشريحة المثقفة التي تبحث عن الحقائق. وجدير بالذكر ان تعامل هذه الاقليات مع المجتمع النافر لها يكون مشوبا بالتوجس والحيطة بالإضافة إلى الشعور الدائم بعدم الأمان وعدم الانتماء في بعض الأحيان
ثالثا : فئة الأقليات السياسية : أردت أن أجعلها في فئة خاصة بها نتيجة ما تمر به من تغيرات على مستوى المجتمع والأفراد فمؤخرا خاصة من بعد ثورة يناير 2011 أصبح هناك مجالا عاما ارحب وارتفعت نسبة المهتمين بالشأن السياسي المصري لكننا مؤخرا بعد حالات الاستقطاب وحصر المؤيدين للنظام لأي فرد يخالف آرائهم انه ضمن فصيل الاخوان بالاضافة الى تزايد حالات التخوين من الطرفين الذي قد يصل الى حد التراشق على السوشيال ميديا بابشع الالفاظ. وغياب مبدأ الديمقراطية والاختلاف الذي ينمي الحياة السياسية ويساعد على المشاركة العامة الفعالة. ولا أخفيكم القول انني اشعر بالخوف من هذه الحالة السائدة والتي يجب ان تنتهي.
ولكي أوجز القول بعد هذا الاستعراض البسيط لابد ان اشير الى اهمية تقبل الأخر كحل أساسي للخروج من دائرة الانغلاق حول الذات. وان تقبل الآخر يبدأ من معرفة الآخر ومعرفة اختلافه وتشجيعه على هذا الاختلاف وأن اعي جيدا أن هذا الاختلاف لا يمثل لي اي تهديدات وانني آمن سواء كان الاخر مختلف عني ام يشبهني. لابد من العمل معا كأفراد داخل المجتمع من أجل إيجاد حلول واقعية تقوم على دمج كافة الاقليات بالمجتمع وان الاغلبية يتسع صدرها لمثل تلك الاختلافات حتى وان مست جزء اصيل في شخصيتها او مبادئها. لابد من التفكر في طبيعة المجتمع المصري الذي كان على مر العصور مثل بوتقة انصهرت فيه كافة الثقافات والاختلافات وبقيت فقط مصر تلك الامة التي نفخر بها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علم الاصوات

الاسناد في العربية والعبرية

اسرة اللغات السامية.