مما
لا شك فيه ان ميدان التحرير منذ بداية الثورة قد كان بالنسبة لكثيرين من ثائري مصر
بمثابة المخلص الذي إن آجلاً او عاجلاً سيخلصهم من النظام الفاسد الذي عاشوا فيه
لسنوات كثيرة متحملين كل الوان الظلم والذل والهوان على يدي مبارك وزبانيته. كان
ميدان التحرير هو اسمى صور الحرية والديمقراطية والتعبير عن رأي بعد سنوات من عدم
الديمقراطية وقد كان ايضا مسرح احداث الثورة المصرية في يناير 2011.
مع
بدء الشرارة الاولى للثورة يوم الخامس والعشرين من يناير انطلق كثير من الثوار بكل
حماس بدون خوف معبرين عن ارائهم بكل شجاعة وفي المقابل قام النظام بغلق كل المنافذ
امامهم وقمعهم وحتى بعد اعتصامهم في ميدان التحرير قام بفض اعتصامهم بالقوة. كان
عدد الثوار غير متوقع بدرجة كبيرة بالنسبة لي فقد اذهلني كل هذا العدد المشارك
معنا في صنع مستقبله والمعبر عن رأيه واذهلني اكثر مشاركة المرأة في الثورة فرأينا
الكثير من السيدات والفتيات اللواتي لم يخفن التعذيب والقمع ومعرضين حياتهن للخطر
في سبيل تحرير مصر من نظام أيقن اغلب المصريين انه فاسد ويحتاج اعادة هيكلة
وتطهير.
في
الفترة مابين الخامس والعشرين الى الثامن والعشرين لم تكن مصر هادئة بل كان يغلي بركان
غضبها كان الكل متحمساً والذي ازاد من الحماس تلك الممارسات من قبل الامن في اول
ايام الثورة كان الثوار يستعدون لجمعة الغضب ويضعون خططاً وخططاً بديلة للتصرف
السريع في حال حدوث اي شيء متوقع او غير متوقع من قبل النظام وقواته وقد كانت
المرأة مثلها مثل الرجل في كل هذه الاشياء فقد وجدنا الكثير من السيدات والفتيات
مشاركات لنفس الهدف لكن اهدافهن اختلفت وتنوعت مابين النشاط السياسي والمسئولية
القومية تجاه وطنها وما بين الاسباب الاجتماعية والشخصية على حد سواء لكن أيا كان
السبب فقد كان الهدف من اسمى مايكون وكل هذا جعل من مشاركة المرأة شيء لايستهان به
فلاننسى ابداً يوم جمعة الغضب والزحف الشعبي نحو التحرير الصور العديدة لمشاركة
المرأة المصرية في المعركة الطاحنة التي دارت بين الثوار وقوات الامن التي قامت بفعل بعض الانتهاكات والممارسات الوحشية ضد
الثوار المصريين ومع الوصول لميدان التحرير وصمود الثوار طيلة اليوم وبالأخص
السيدات منهم والفتيات بعدها بدأ الاعتصام المفتوح لحين تنفيذ مطالب الثورة وتم
صدور قرار بنزول الجيش الى الشوارع لمساعدة الشرطة في حفظ الامن وتم فرض حظر
التجوال ولم يكن هذا عائق امام مشاركة المرأة في الاعتصام بل كانت في الميدان
مثلها مثل الرجل تماما لم تكل ولم تمل ولم تتعب صامدة لحين رحيل الطاغية وبالفعل
قد اثبتت المرأة مشاركتها الملموسة في ذلك اليوم.
ومع
الاعتصام المفتوح والمظاهرات المليونية في ميدان التحرير وبعض ميادين مصر الكبيرة
في الاسكندرية والسويس وغيرها رأينا الثوريات المصريات جنباً الى جنب الثوار
يناضلن ويعبرن عن ارائهن ويشاركن فمنهن من انضمت للجان الشعبية لتفتيش السيدات
الداخلة للميدان ومنهن من انضمت للجان الاعاشة ومنهن من انضمت لفريق الاطباء
لمعالجة الجرحى والمرضى ومنهن من قامت بتوعية من حولها ببعض مبادئ حقوق الانسان
والليبرالية ومنهن من شاركت البعض بتجاربه الشخصية مع النظام ومع قوات الامن ومنهن
من شجعت من حولها للاستمرا في الثورة وغيرهن كثيرات. والجميل في ذلك الامر هو
مشاركة كافة الاطياف السياسية في الثورة المصرية وهو الامر الذي جعل الكثيرين
يشيدون بتلك الثورة فهناك سيدات ثوريات لم يكن لهن اي تاريخ سياسي ووعيهم السياسي
ضئيل وجدوا في الميدان فقط لكي يرحل مبارك لأنه بالنسبة لبعض منهن جعلهن في اوضاع
مالية سيئة او شيء من هذا القبيل ولاننكر ابداً مشاركة الناشطات السياسيات اللواتي
بذلن جهوداً ضارية قبل الثورة بسنوات لكي تحدث ولكي يتم القضاء هائياً على مبارك
واعوانه.
استمر
الاعتصام في الميدان مع حالة الغليان التي عاشها الثوار والذي ظهر ذلك في صورة
العدد الضخم الذي ضج به ميدان التحرير وشوارعه الجانبية وظهر ايضا في المظاهرات
المليونية التي كانت موجودة بصورة شبه منتظمة والتي كان العدد فيها يزداد يوماً
بيوم الى ان قام مبارك بإلقاء خطابه الذي اعلن فيه عدم ترشحه للرئاسة لفترة تالية
ورغبيته في الموت على ارض مصر. وقد اثر هذا الخطاب في بعض المصريين فهناك البعض
يتعاملون بشيء من العاطفية تجاه الامور السياسية وهؤلاء اول من اقتنع بوجوب
الانتظار الاشهر القليلة القادمة كي يرحل مبارك ويأتي رئيس بعده ولاننكر ان بعض
الثوار البسطاء الغير كثيرين تأثروا بهذا الخطاب ورجعوا منازلهم لكن الاغلبية
الثورية الساحقة استمرت على نفس مطالبها وعلى نفس مواقفها ورفضوا تماما الانصياع
وراء خطاب قد يكون قد اُستخدم فيه نوع من انواع المكر السياسي لتهدئة الموقف
وازداد الثوار صلابةً وعناداً وتشبثاً لمطالب الثورة ورأينا ذلك متجسماً في صورة
الخيام التي نُصبت في الميدان وفي الاعداد الغفيرة المعتصمة فيه لانهم كانوا يعوا
تماما ان ميدان التحرير في هذا الوقت هو الفرصة الذهبية لنجاح الثورة ولتغيير نظام
الحكم الذي استبد بالشعب طوال اعوام لم يستطع احدا التعبير عن رأيه فيها بحرية
وديمقراطية.
استمرت
الاعتصامات والمظاهرات في التحرير رغم وجود مظاهرات تأييدية لمبارك في مناطق قريبة
منه ولم ينشغل الثوار بتلك المظاهرات التي تصطنع التأييد والتي ايقن البعض ان
الخارجون فيها بعض من اعوان مبارك وذويهم ولم يكن احداً من الثائرين في التحرير
يتخيل انه ستحدث تلك الموقعة الشهيرة باسم موقعة الجمل واقتحام العديد من البلطجية
ميدان التحرير وايذائهم للمتظاهرين عن طريق الضرب واستخدام بعض الاسلحة وانقلب
الميدان لمعركة حاول فيها الثوار الدفاع عن انفسهم امام هجوم تلك العناصر المخربة
التي وصفها البعض بالتحريضية. وهنا ظهر دور المرأة ايضا فلم تتنازل عن موقفها ولم
تخاف ولم تنسحب بل وقفت وقاومت ودافعت عن نفسها مثلها مثل الرجل تماما وقامت
بالعديد من الامور لمساعدة من تم جرحهم وايذائهم واصبح لديها المزيد من الحماس
للاستمرار لحين نجاح الثورة.
كانت
الايام تمر في ميدا التحرير ونحن نعيش في مصرٍ جديدة لم نعتادها من قبل فقد كان
الكل يداً واحدة متسامحين مراعين مبادئ حقوق الانسان متعاونين لا يمارسون اي تمييز
ولا اي عنف . حقاً كانت مصر في ابهى صورها في الميدان الى ان اتت الساعة المحسومة
ساعة تخلي مبارك عن منصبه تلك الساعة التي شهدت اكبر فرحة عرفها الثوار فبنجاح
الثورة قد تحول الميدان الثائر الى كرنفال احتفالي وبعد الانتهاء من الاحتفال بدأ
الكثير من الثوار في الرجوع الى منازلهم لكن استمر قليل من الثوار في اعتصامهم
لحين تنفيذ باقي المطالب والذين فضوا اعتصامهم بعدها بأيام قليلة ومازال إلى هذا
اليوم هناك مليونية اسبوعية للتأكيد على مطالب الثورة والتى تشارك فيها المرأة
بشكل اساسي.
فيما
سبق عرضت في عجالة بعض جوانب مشاركة المرأة في ثورة يناير 2011 والتي لم استطع
حصرها كلها لكنني تكلمت من واقع ما سمعت به ولكنني اريد ان اشارك تجربتي ايضا في
ميدان التحرير تلك التجربة التي اعتبرها مميزة في حياة اي ناشط مصري وليست في
حياتي انا فقط. ففي البداية يوم الخامس والعشرين من يناير حاولنا بشتى الطرق
الوصول للتحرير مع اعتراض قوات الامن ومنعها لنا وفي المساء تجمعنا كثيرين داخل
ميدا التحرير الذي امتلأ بالثوار الآتيين من اماكن متفرقة من القاهرة والجيزة
والذي تم فض اعتصامهم بالقوة بعد منتصف الليل عن طريق استخدام القنابل المسيلة
للدموع. وفي الايام التالية حتى جمعة الغضب كان لديَّ الحماس كي اقنع الكثيرين
بطرق عديدة للمشاركة وعدم الخوف الى ان جاء يوم جمعة الغضب ذلك اليوم الذي نزلت
فيه مع العديد من النشطاء السياسيين في منطقة الدقي وكان مخططنا ان نبدأ مظاهرة او ننضم لمظاهرة تكون قد بدأت
بالفعل وفي البداية توجهنا لأحد المساجد الذي كنا سنبدأ من امامه بمظاهرة تضمنا مع
بعض الاشخاص المتواجدين وينضم لنا الاخرون لكن لم نجد صدى فتوجهنا لمسجد اخر
ووجدنا بالبعد عنه بمترات قليلة تجمع ثائر فانضممنا لهذا التجمع وبدأنا مع اول
مسيرة في منطقة الدقي ومشينا في الشوارع الداخلية لينضم لنا اكبر عدد ممكن من
الثوار وحاولنا بشتى الطرق السير في الطريق المؤدي لميدان التحرير فذهبنا لعبور
"كوبري الجلاء" وهناك مارست قوات الامن القمع الوحشي ضدنا لاجهاض
مسيرتنا فقد اطلقت القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز بكثرة واصطفت عربات امن
مركزي بعرض الكوبري لمنعنا من التقدم للامام لك مع صمودنا عبرنا الكوبري بصعوبة
متجهين لكوبري قصر النيل وهناك تصدى لنا الامن بنفس الوحشية ان لم تكن اكثر ضراوة وقامت
قوات الامن بفصل الجزء الامامي من المسيرة الذي كنت فيه عن باقيها لتفريقنا عن باقي
الثوار واعتقلت بعض النشطاء اما الباقين وانا معهم ركضنا مطاردين من قوات الامن في
شارع الاوبرا وقد كانوا يريدون ضرب واعتقال ماتبقى منا ثم بعدما تخلصنا من مطارتهم
لنا حاولنا الانضمام للمسيرة مرة اخرى ففشلنا فاتجهنا نحو منطقة الزمالك لكي نصل
للتحرير من طريق اخر وفي طريقنا انضم الينا اعداد كبيرة من الثوار الى ان وصلنا
عند كوبري 15 مايو وهناك وجدنا قوات الامن بانتظارنا ومنعتنا من التقدم وبدأت في
استخدام القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز بقوة عن طريق توجيهها نحونا لكننا
صمدنا وحاولنا اختراقهم لكي نستمر في طريقنا لكن فشلنا ايضا بسبب اكثارهم من
القنابل ثم بعدها خطرت لنا فكرة الاعتصام في اماكننا فبعدنا قليلا عن قوات الامن
ونظمنا انفسنا وجلسنا معتصمين لكنهم ايضا استمروا في القاء القنابل واستخدموا
الرصاص المطاطي الموجه نحو الثوار وتم اصابة الكثيرين وانا منهم وفي كل ذلك مازلنا
صامدون ولم نترك اماكننا رغم كل ما فعلوه وبعدها بأوا في استخدام الرصاص الحي
واصابوا العديد من الثوار وفي تلك الاثناء تراجع الكثيرين نتيجة فرض حظر التجوال
ومحاولتهم للذهاب مسرعين للتحرير من طريق اخر لاستحالة ذلك الطريق . وبعدما تم
اسعافي ذهبت للتحرير وقد كنت في قمة حماسي لاسقاط النظام ولتغييره لنظام ديمقراطي
مدني عادل يحترم الانسان ويراعي حقوقه كنت وسط هذا الجمع الغفير الثائر الذي استمر
على موقفه حتى اللحظة الاخيرة واستمريت في الميدان لفترات طويلة لحين انتهاء
الاعتصام من التحرير وسقوط نظام مبارك ولا انسى ابداً لحظة تخلي مبارك عن الحكم
تلك اللحظة التي لم احضرها في الميدان لكنني بعدها بدقائق مباشرة كنت وسط الثوار
في الميدان اعيش اجمل لحظات انتصار مصر في معركتها ضد الفساد تلك المعركة التي
بدأت بضراوة ولن تنتهي لحين القضاء على
آخر فاسد فيها وبعد الرحيل حرصت على المشاركة في المظاهرات المليونية التي تؤكد
على بعض مطالب الثورة تلك المليونيات التي مارست اشكالا من الضغط الشعبي لدي
مؤسسات صنع القرار.
وختاماً
مثلما اشتركت مع كل الشعب المصري في صنع ثورة شعبية غيرت تاريخ مصر وستغيره لسنوات
لديّ أيضاً الثقة ان هذا الشعب سيستمر ثائراً ضد كل ظالم يعيث في ارض مصر فساداً.
هذا المقال نشر في كتاب "كنا هناك - اصوات ليبرالية شابة من الثورة المصرية"
الصادر عن منظمة فريدريش ناومان الالمانية
تعليقات
إرسال تعليق